التاريخ العدلي

شكل النظام العدلي في مملكة البحرين محل رعاية واهتمام حكام البحرين طوال تاريخها العريق، إيمانا ان العدل أساس الحكم ورقي المجتمع وازدهاره، ولإرساء حكم القانون وبناء الدولة المتطورة، فشهد هذا الصرح تحديثات مستمرة في مختلف المحطات التاريخية، بما يواكب التطور المضطرد في جميع مناحي الحياة ويستجيب للاحتياجات المتزايدة، لتكون هذه المنارة إحدى العلامات الحضارية المضيئة من تاريخ البحرين.

إن وزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف هي الجهاز التنفيذي القائم على مرفق العدالة وتقوم على كافة الجوانب الإدارية المتعلقة بسير العمل في المحاكم، ومن خلال العمل والتعاون مع المجلس الأعلى للقضاء، وكافة الجهات ذات العلاقة بمنظومة العدالة وإنفاذ القانون.

وفي إطلالة على التاريخ العدلي في البحرين منذ العام 1783 الذي تأسست فيه البحرين كدولة على يد المغفور له أحمد الفاتح، حيث كان القضاء جزءاً من مسؤوليات الحاكم، وبما يلبي متطلبات حكم القضاء بالفصل في النزاعات بين الناس، والحفاظ على الحقوق وتثبيت دعائم الطمأنينة.

ومع بدايات تكوين ملامح الدولة بالمفهوم العصري في عهد المغفور له الشيخ عيسى بن علي آل خليفة (1869- 1932)، بدأ القضاء الانتقال إلى مرحلة جديدة من التطور بما يستجيب للحاجات الملحة آنذاك، فشكلت محكمة للأجانب للفصل فيما ينشأ بينهم من منازعات ثم تبعها إنشاء المحاكم المشتركة للفصل في الخصومات التي يكون أحد طرفيها من أبناء البلاد والآخر أجنبياً، فأسست أول محكمة نظامية في عام 1341هـ - 1923م.

وواصل القضاء أخذ حيز أساسي من عملية تحديث الدولة بما يمكنها من استيعاب المتطلبات الجديدة نتيجة تطور اُسلوب حياة المجتمع وتزايد أفراده وتشابك علاقاته ومصالحه، ففي عهد المغفور له الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة (1932- 1942 )، ومن ثم عهد المغفور له الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة (1942-1961)، سار القضاء خطوة أخرى، وأصبح لازما إنشاء محاكم لها اختصاص محدد فوجدت المحاكم الشرعية للفصل في منازعات الأحوال الشخصية بين المواطنين، والمحاكم المدنية للفصل في منازعاتهم المالية والعقارية، والمحاكم الجزائية.

كما أنشئ مجلس للغوص والتجارة الذي اختص بمسائل الغوص واللؤلؤة وبالمنازعات التي تقوم بين التجار، وكانت قرارات المجلس تعرض بعد صدورها على المحاكم المدنية لإقرارها، أما تنفيذ الأحكام فقد كان من اختصاص محاكم يطلق عليها (محاكم الاجراء)، أما الأحكام الجزائية فكانت الشرطة هي التي تتولي تنفيذها.

وقد صدرت خلال تلك الفترة الكثير من القوانين المهمة، ومنها الإعلان الصادر عن حكومة البحرين في العام 1935 باعتماد قانون التوكيل في محاكم البحرين، وقانون عقوبات البحرين في 1955، وقانون للإجراءات الجزائية وآخر ينظم التصرف بالمال في القضايا الجزائية في 1956، وقانون التهم في القضايا الجزائية 1957، وقانون الرسوم والمصاريف في القضايا المدنية في 1958، وقانون المخالفات المدنية، وقانون أصول المحاكمات الجزائية لسنة 1966، وقانون لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، وقوانين لتنظيم اكتساب ملكية العقارات بوضع اليد وتسجيل عقود ملكيتها.

كما شهدت الثلاثينيات من القرن الماضي تأسيس دائرة اموال القاصرين، لتكون فيما بعد إحدى الإدارات المحورية ضمن اختصاصات القطاع العدلي.

واستكمالاً لمشروع بناء الدولة الحديثة، وفي إطار إعادة تنظيم الدوائر الحكومية للدولة، سجل القضاء نقلة أخرى كبيرة في عهد المغفور له الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة (1961-1999) ليكون سلطة مستقلة تقوم على الأسس الحديثة، وبدأت هذه المرحلة التاريخية في العام 1970 بإصدار العديد من المراسيم بالإصلاح الإداري للدولة، وقد تناول المرسوم رقم (2) جهاز العدالة فنص على إنشاء دائرة للعدل تضم ثلاث إدارات هي المحاكم والتسجيل العقاري وأموال القاصرين. وبحصول البحرين على استقلالها في عام 1971 أنشئت وزارة العدل التي حلت محل دائرة العدل. وقد صدر المرسوم بقانون رقم (13) لسنة 1971 بشأن تنظيم القضاء حيث قسم القضاء إلى مدني وشرعي، متضمنا التأكيد على استقلال القضاة ولا سلطان عليهم في أداء اختصاصاتهم لغير القانون.

وصدرت خلال الفترة المشار اليها العديد من القوانين منها المرافعات المدنية والتجارية، والمحاماة، والاجراءات أمام المحاكم الشرعية، والتي مثلت منجزا مهما على صعيد تطور النظام القانوني لجهاز العدالة. كما صدر قانون الإثبات في المواد المدنية والتجارية في 1996.

وصدر قانون الولاية على المال في العام 1986، الذي نص على تشكيل مجلس الولاية على أموال القاصرين ومن في حكمهم برئاسة وزير العدل والشئون الاسلامية والأوقاف،باعتباره هيئة ادارية ذات اختصاص قضائي، وتكون قرارات المجلس واجبة التنفيذ، ويجري تنفيذها تحت إشراف وزير العدل ورقابته.

وكذا قانون التوثيق ( كاتب العدل) في 1971، الذي يتولى توثيق المحررات التي يقضى القانون أو يطلب المتعاقدون توثيقها، والتصديق على التوقيعات و إثبات التاريخ في المحررات العرفية، ووضع الصيغة التنفيذية على صور المحررات الواجبة التنفيذ، كما يختص كاتب العدل بتوثيق جميع المحررات الرسمية عدا ما كان منها متعلقا بالوقف أو بالأحوال الشخصية، أما غير المسلمين فيوثقون محرراتهم المتعلقة بالأحوال الشخصية أمام كاتب العدل أو أمام جهات التوثيق الخاصة بهم في قنصلياتهم.

وفي العام 1989 استحدث المشرع البحريني محكمة التمييز المختصة بمراقبة تطبيق القانون، لتكون اعلى درجة في السلم القضائي واحدى الضمانات الرئيسية للمتهمين.

وكانت البحرين مع موعد جديد من فصول تطورها التاريخي، حيث أفرد المشروع التحديثي الشامل لحضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد حفظه الله ورعاه، لقطاع العدالة اهتماماً كبيراً جسد مدى الإيمان بالعدل وتعزيز استقلال القضاء كحجر الزاوية الأساس لسيادة القانون، فصدر المرسوم بقانون رقم (19) لسنة ‏2000‏ الذي أنشأ بموجبه المجلس الأعلى للقضاء ثم جـاء المرسـوم بقانـون رقـم (42) لسنة 2002 بإصدار قانون السلطة القضائية ليفرد بابا خاصا بالمجلس الأعلى للقضاء والنيابة العامة، والمراسيم المعدلة له لترسخ استقلال القضاء.

ونص المرسوم رقم (42) على اختصاص المجلس الأعلى للقضاء بالإشـراف على حسن سير العمل في المحاكم وفي الأجهزة المعاونة لها ، واتخاذ ما يلزم من أجل ذلك، واقتراح تعيين وترقية القضاة وأعضاء النيابة العامة ، وكل ما يتعلق بشأنهم، وإبداء الرأي في مشروعات القوانين المتعلقة بالقضاء والنيابة العامة. كما نص على انشاء النيابة العامة باعتبارها شعبة أصيلة من شعب السلطة القضائية، ولها دون غيرها تحريك الدعوى الجنائية ومباشرتها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك.

وانعكاسا لمكانتها الريادية وبما يعكس مستوى ما وصلت اليه البحرين من تقدم قانوني، ومدى حرص جلالة الملك على تحصين احكام الدستور، فقد صدر المرسوم بقانون بإنشاء المحكمة الدستورية في 2002، باعتبارها هيئة قضائية مستقلة قائمة بذاتها، وتختص دون غيرها بالفصل في المنازعات المتعلقة بدستورية القوانين واللوائح، وتكون أحكامها وقراراتها نهائية وغير قابلة للطعن. واستجابة للاحتياجات التدريبية المستمرة، أسست وزارة العدل في العام 2005 معهد الدراسات القضائية والقانونية، ليتولى إعداد وتدريب كل من القضاة وأعضاء النيابة العامة وأعضاء دائرة الشئون القانونية والمستشارين القانونيين بأجهزة الدولة والمحامين، وأعوان القضاة والموثقين والباحثين القانونيين، وتنمية البحث العلمي.

وفي ضوء التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي تشهده المملكة، توسعت المهام والاختصاصات الموكلة لوزارة العدل، وأبرزها الإشراف على تطبيق قانون الجمعيات السياسية الصادر عام 2005 الذي ينظم حق تكوين الجمعيات بقصد المشاركة في الحياة السياسية.

كما من جانب آخر أناط قانون مباشرة الحقوق السياسية بوزير العدل والشئون الاسلامية والأوقاف رئاسة اللجنة العليا للإشراف العام على سلامة الاستفتاء وانتخاب أعضاء مجلس النواب، وذلك في ظل إشراف قضائي كامل.

وكذلك تم انشاء صندوق النفقة في العام 2005 الذي يختص بصرف النفقة للبحرينيين الذين صدرت لصالحهم أحكام بالنفقة وتعذر تنفيذها، او الذين أقاموا دعاوى بشأن تقرير نفقة لهم ولما يفصل فيها، والذي يشمل أولاد الزوجات البحرينيات الذين لا يحملون الجنسية البحرينية.

وتدعيما للمنظومة العدلية، وترسيخ استقرار الاسرة والمجتمع، وتعزيز استخدام الوساطة كإحدى الوسائل الفعالة في حل المنازعات الأسرية ودياً، فقد أنشئ مكتب التوفيق الاسري الذي يتكون من ذوي الخبرة والأخصائيين القانونيين والاجتماعيين والنفسيين. وفي تطوير لاختصاص المكتب وتعزيز دوره كجهاز معاون للقضاء جاء التعديل على بعض أحكام قانون الإجراءات أمام المحاكم الشرعية ليفتح الطريق أمام تسوية المنازعات الأسرية من خلال التوفيق الأسري قبل اللجوء للمحاكم.

واضافة لما يناط بوزارة العدل من مهام في عملية التطوير التشريعي الخاصة بالبنية القانونية للمملكة، فقد تم إنشاء اللجنة الوطنية للقانون الدولي الإنساني بوزارة العدل في العام 2014، والتي تختص بكافة المسائل المتعلقة بتنفيذ وتطبيق القانون الدولي الإنساني ووضع السياسات والاستراتيجيات والخطط المتعلقة به في مملكة البحرين. 

وادراكاً لأهمية القضاء المتخصص وبما يستجيب للمتطلبات الاقتصادية المعاصرة، وتطبيق نظام إدارة الدعوى ودفع سرعة التقاضي، فقد جاء تأسيس غرفة البحرين لتسوية المنازعات الاقتصادية والمالية والاستثمارية في العام 2009، لتختص الغرفة بالفصل في المنازعات والتي ينعقد الاختصاص بنظرها في الاصل لمحاكم البحرين أو لأية هيئة ذات اختصاص قضائي فيها، متى زادت قيمة المطالبة عن خمسمائة ألف دينار، على أن تكون المنازعات بين المؤسسات المالية المرخص لها بموجب أحكام قانون مصرف البحرين المركزي ، أو بينهما بين غيرها من المؤسسات والشركات الأخرى والأفراد، او المنازعات التجارية الدولية إذا كان مقر أحد أطراف النزاع أو المكان الذي ينفذ فيه جزءاً هاماً من الالتزامات الناشئة عن العلاقة التجارية أو المكان الذي يكون لموضوع النزاع أوثق الصلة به ، واقعاً خارج المملكة.

فيما تكون المنازعة تجارية إذا كان موضوعها يتعلق بالعلاقات ذات الطبيعة التجارية سواء كانت تعاقدية او غير تعاقدية ، بما في ذلك أية معاملة لتوريد السلع أو الخدمات او تبادلها واتفاقيات التوزيع والتمثيل التجاري او الوكالة التجارية وإدارة الحقوق لدى الغير والتأجير الشرائي وتشييد المصانع والخدمات الاستشارية والاعمال الهندسية وإصدار التراخيص والاستثمار والتمويل والاعمال المصرفية والتأمين واتفاق أو امتياز الاستغلال والمشاريع المشتركة وغيره من أشكال التهاون الصناعي أو التجاري ونقل البضائع أو الركال جوا أو بحرا او براً.

كما تم انشاء مكتب لتحضير الدعوى العمالية بوزارة العدل، ويشكل من رئيس بدرجة قاضٍ بالمحكمة الكبرى المدنية يتولى الإشراف على عمل المكتب، وعدد كاف من الأعضاء من قضاة المحكمة الصغرى المدنية، وذلك في ضوء قانون العمل الجديد الصادر في العام 2012.

وكذلك تأسيس لجنة المنازعات الايجارية طبقاً لقانون إيجار العقارات في العام 2014و تختص بالفصل في كافة الدعاوى والمنازعات الناشئة عن عقود إيجار العقارات. 

هذا وتضطلع وزارة العدل باختصاصات عديدة منها الاضطلاع بمسئولية الجهاز المعاون للقضاء، وتسجيل الدعاوى، والاعلانات القضائية، ومتابعة تنفيذ الأحكام المدنية، وإصدار الفرائض والهبات قبل تصديقها قضائيا، وتسجيل قيد جداول المحامين والدلاليين والخبراء أمام المحاكم، والتدريب القانوني، وكذلك بالإشراف على جهاز قضايا الدولة الذي يختص بتمثيل الحكومة امام القضاء.